للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد بدون هذه الأسباب، لكن حكمته تأبى ذلك، بل هو سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها.

وهذا - عند التأمل - من أقوى الأدلة على كون أفعال العباد مخلوقة.

المسألة الثانية: الجمع بين كون أفعال العباد خلقًا لله وفعلًا للعبد.

لا إشكال عند أهل السنة بين كون الله خالقًا لأفعال العباد، وبين كونها أفعالهم وكسبهم، لأمرين:

أولهما: أن الشارع هو الذي أخبر بهذا وأخبر بهذا، والتناقض في كلامه ممتنع باتفاق، فيلزم ألا يكون بينهما تناقض، بل لكل واحد منهما وجهه الصحيح.

ثانيهما: أن الجهة مختلفة، فهي لله مفعولة مخلوقة، وهي للعبد فعل وكسب، وفرق بين الفعل والمفعول - كما تقدم (١) - فالتنافي غير وارد أصلًا.

فلله من ذلك العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وللمخلوق منها الفعل والكسب.

قال ابن القيم : "ويؤمنون بأن من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأنه هو الذي يجعل المسلم مسلمًا والكافر كافرًا والمصلي مصليًّا والمتحرك متحركًا، وهو الذي يسير عبده في البر والبحر، وهو المسير والعبد السائر وهو المحرك والعبد المتحرك. . . ويثبتون مع ذلك قدرة العبد وإرادته واختياره وفعله حقيقة لا مجازًا، وهم متفقون على أن الفعل غير المفعول. . . فحركاتهم واعتقاداتهم أفعال لهم حقيقة، وهي مفعولة لله سبحانه


(١) انظر ما تقدم ص (٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>