الثاني: ما تقدم مرارًا من اختلاف الجهة بين الخلق والفعل، فأفعال العباد من جهة خلقها كأوصافهم الخلقية لا يتوجه إليها مدح ولا ذم.
والدليل السادس؛ وهو احتجاجهم بوجوب أفعال العباد بحسب دواعيهم وانتفائها بحسب صوارفهم، فلا حجة لهم فيه لوجوه:
الأول: أنه لا تلازم بين وقوع الفعل بحسب الداعي أو انتفائه بحسب الصارف وبين خلق الفعل، فلا يلزم من قيامي إذا أردت القيام وجلوسي إذا تعبت أني أنا الخالق لقيامي وجلوسي.
الثاني: أن فعل العبد قد يحصل بغير داعيه هو، بل بداعي غيره، كمن يقيم رجلًا ويجلسه، فقيامه وجلوسه كان بحسب داعي غيره وقصده، ولم يلزم من ذلك أن يكون الغير هو الخالق للقيام والجلوس.
الثالث: أن قصد الفاعل وداعيه من جملة الأسباب التي يخلق الله سبحانه بها الفعل، والسبب لا يستقل بوجود المسبَّب كما تقدم، وهذا السبب مخلوق لله سبحانه.
والدليل السابع؛ وهو احتجاجهم بكون العاقل لا يسيء إلى نفسه، وأن خلق أفعال العباد السيئة يقتضي إساءة للرب فاقتضى أن لا يكون خالقها، فباطل كذلك لاختلاف الجهة بين خلق أفعال العباد وكسبها كما تقدم.
وأما الدليل الثامن؛ وهو احتجاجهم بوجود الظلم في أفعال العباد، مما يستدعي تنزيه الرب عن خلقها، فباطل لما تقدم من اختلاف الجهة كذلك.
وهذان الدليلان - السابع والثامن - يردهما معًا أن الظلم والسوء في أفعال العباد إنما خلقهما الله سبحانه لحكمة كانا بها خيرًا ومصلحة، وما