للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبرية الغلاة، وهم الجهمية؛ وذهبوا إلى أن العبد مجبور على فعله بالكلية وأنه لا اختيار له ولا قدرة ولا مشيئة، بل هو كالريشة في مهب الريح، وهو مضطر إلى أفعاله اضطرارًا.

الجبرية المتوسطة، وهم الأشاعرة؛ الذين يقولون إن الله سبحانه خالق أفعال العباد، وأن العبد كاسب لفعله، فالله خالق للفعل، والعبد كاسب له.

ثم اختلفوا اختلافًا عظيمًا في تفسير هذا الكسب، واضطربوا في تقريره اضطرابًا شديدًا، وأقوالهم ترجع إلى قولين اثنين:

القول الأول: وهو الذي عليه جمهور الأشاعرة - واستقر عليه قول أبي الحسن (١) - أن الكسب هو اقتران عادي بين القدرة المحدثة والفعل، وأنه لا أثر للقدرة أبدًا.

قال السنوسي: "وعن تعلق القدرة الحادثة بالمقدور في محلها مقارنة له من غير تأثير: عبَّر أهل السنة بالكسب، وهو متعلق التكليف الشرعي، وأمارة على الثواب والعقاب" (٢).

وقال أيضًا: "مذهب أهل الحق - على ما سبق - أن القدرة الحادثة لا تأثير لها في شيء من الممكنات، وهي تتعلق بمقدورها تعلقًا من غير تأثير، بل نسبته إليها كنسبة العلم الذي يتعلق بمعلومه ولا يؤثر فيه" (٣).

وقال الجرجاني: "والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن


(١) انظر ما تقدم ص (٤٧٨ - ٤٧٩).
(٢) السنوسية مع شرحها (١٨٨ - ١٨٩).
(٣) شرح السنوسية (١٩٧ - ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>