للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففعل العبد يضاف إلى قدرة العبد إضافة السبب إلى مسببه، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق، فلا يمتنع وقوع مقدور بين قادرين قدرة أحدهما أثر لقدرة الآخر وهي جزء سبب، وقدرة القادر الآخر مستقلة بالتأثير.

فالتعبير عن ذلك بمقدور بين قادرين أو اجتماع مؤثرين فيه تلبيس من جهة إيهامه تكافؤ قدرة الرب وقدرة العبد (١).

وأما الدليل السابع؛ فلا ريب أن من العلم ما هو سبب في وجود المعلوم، وبدونه لا يوجد، لكن ليس كل علم شرط في ذلك، وضابط هذا العلم هو علم الفاعل المختار بما يريد أن يفعله؛ وهذا علم جملي ليس بتفصيلي، كمن أراد أن يصنع بابًا، فلا بد له من العلم بما يتوقف صنع الباب عليه من وجوب وجود خشب، وكونه مستو، ووجود مسامير ومطرقة ونحو ذلك، وهذا القدر من العلم كاف في وجود الفعل، ولا يلزم العلم بالتفاصيل من ذلك كنوع الخشب ومن أي شجر قطع، ومن أي غابة، ومن قطعه، وكم بقي حتى يبس، ومن صنع المسامير، ومن صنع المطرقة، ونحو ذلك (٢).

وأما الاستدلال على ذلك بأفعال النائم والساهي، فباطل كذلك، أما النائم فلأن أفعاله في الحقيقة ضرورية له غير مكتسبة، كحركة المرتعش (٣).

وأما الساهي؛ فهو قادر على الفعل، وله علم وتصور إرادة، وإنما حصل في حقه غياب الشعور بالإرادة لانشغال محل التصور منه بشيء آخر منعه من


(١) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٢٨ و ٤٣٧).
(٢) انظر ما تقدم ص (١٩٤) وما بعدها.
(٣) انظر: شفاء العليل (١/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>