للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩]، وقال سبحانه: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: ٦٨].

وكذا تعلمه ردًا على المخالفين ودفعًا لشبهاتهم.

ويؤيد ما سبق - مع ما تقدم إيراده على ما يُفهم من ظاهر أحاديث النهي -:

- أثر ابن عباس في خروج عمر إلى الشام؛ وفيه: "فنادى عمر في الناس: إني مُصَبِّح على ظهر فأصبِحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدَر الله؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نفِرُّ من قدَر الله إلى قدَر الله. أرأيت لو كانت لك إبِل هبطت واديًا له عُدْوَتان؛ إحداهما خَصِبة، والأخرى جَدْبة أليس إن رعيت الخَصِبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجَدْبة رعيتها بقدر الله؟ " (١).

فأنكر أبو عبيدة على عمر إرادته الانصراف رغبة في نجاته ومن معه من المسلمين محتجًّا عليه بأن الوباء لا يصيب إلا من قدَّر الله ﷿ أن يصيبه، وأنه لا ينجو منه من قدَّر له أن لا يصيبه، وأجاب عمر بأن انصرافه ليس هروبًا مما قد قُدِّر عليه، وإنما رجوعًا عما يخاف أن يكون قد قُدِّر عليه من الوباء إن وصل، إلى ما يرجو أن يكون قد قُدِّر له من السلامة إن رجع (٢).

فهذه المناظرة بينهما في القدر والأسباب دليل على جواز ذلك، ولهذا قال ابن عبد البر : "وفيه دليل على إثبات المناظرة والمجادلة عند الخلاف في


(١) رواه البخاري: كتاب الطب، باب ما يُذكر في الطاعون (٧/ ١٣٠) ح (٧٥٢٩)، ومسلم: كتاب الطب، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (٤/ ١٧٤٠) ح (٢٢١٩).
(٢) انظر: المنتقى شرح موطأ مالك (٩/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>