للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنه لا يلزم من وقوع الشيء أن يكون محبوبًا لله مرادًا له شرغا، بل يخلق الله ما يحبه وما لا يحبه، فالله خالق كل شيء، وكل ما خلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير ومحبوب له ﷿.

فالمراد نوعان:

مراد لذاته: وهو المحبوب لنفسه المرضي.

ومراد لغيره: وهو ما كان مبغوضًا بالنظر إلى ذاته، لكنه محبوب مراد لكونه وسيلة إلى المراد المحبوب لذاته (١).

وقد سبق في مبحث الحكمة ما يبين هذا (٢).

ومما يدل على هذه المسألة: واقع الأمر، إذ أن كثيرًا مما أمر الله به لم يقع، بل وقع خلافه، فالله أمر بالإيمان والتقوى وحسن الجوار وكف الأذى وترك المعاصي وغير ذلك، والذين وقع منهم ذلك هم الأقلون، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].

ومما يوضح هاتين المسألتين: ثبوت الفرق بين إرادته ﷿ من نفسه أن يفعل، وبين إرادته من عبده أن يفعل؛ فالأولى الإرادة المتعلقة بفعله ، والثانية هي الإرادة المتعلقة بفعل العبد، والأولى هي الكونية، والثانية هي الشرعية.

وهذا الفرق معلوم ببدائه العقول، إذ ليس كل ما يأمر به الإنسان غيره


(١) انظر: منهاج السنة (٣/ ١٦٤).
(٢) انظر ما تقدم ص (٤٣٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>