للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون مرادًا له، بل قد يكون خلافه هو المراد له لاختلاف الجهة، كأمر الرجل غيره بخطبة امرأة نصحًا له، مع إضماره في نفسه إرادة خطبتها.

وإذا أمكن هذا في حق المخلوق فإمكانه في حق الخالق أولى وأحرى.

فالله ﷿ إذا أمر العبد بأمر فقد يريد إعانته وقد لا يريد، مع كونه مريدًا منه الفعل.

بيانه أن الله ﷿ أمر عباده على ألسنة أنبيائه ورسله بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم، فأراد منهم امتثال الأمر وترك المنهي، ثم منهم من أراد الله ﷿ خلق فعله وجعله فاعلًا، فوقع منه الامتثال والترك، ومنهم من لم يرد خلق فعله فلم يقع منه ذلك - مع كونه مريدًا له، حكمةً منه ، ولا يلزم من كون الأمر بالشيء حكمة أن يكون وقوع الامتثال من المأمور حكمة، بل قد تكون الحكمة في عدم الامتثال (١).

مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ٤٦، ٤٧]، بعد أمره لهم بالنفير بقوله: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٤١]، فأخبر أنه أمرهم بالخروج وأراده منهم شرعًا، ثم أخبر بتثبيطه لهم عنه لكرهه له منهم، ثم أخبر بالحكمة التي اقتضت ذلك وهي أن في خروجهم ضررًا على المؤمنين.

قال ابن القيم : "ففرق بين إرادة أفعاله وإرادة مفعولاته، فإن


(١) انظر: منهاج السنة (٣/ ١٦٨ - ١٧٠)، وشفاء العليل (٢/ ٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>