للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الأشاعرة بأن العرض لا يبقى زمانين "قول محدَث في الإسلام، لم يقله أحد من السلف والأئمة، وهو قول مخالف لما عليه جماهير العقلاء من جميع الطوائف" (١)، والحس يكذبه؛ فإن كل أحد يدرك أن لون ثوبه في لحظة هو لونه في لحظة تالية وهكذا.

وأما استدلالهم بها على نفي الاستطاعة السابقة فباطل من وجوه:

الأول: دلالة الأدلة الصحيحة الصريحة على إثبات الاستطاعة السابقة - كما تقدم - فنفيها معارضة لهذه الأدلة وإبطال لها.

الثاني: أن نفي القدرة السابقة لا يجعل للتارك استطاعة، وإذا لم يكن مستطيعًا كان معذورًا، وهذا معلوم البطلان، يوضحه:

الثالث: أن القول بنفي الاستطاعة المتقدمة يعود على التكليف بالإبطال، إذ الاستطاعة المتقدمة هي مناط التكليف، وهذا باطل.

وقد التزم الأشاعرة لذلك القول بالتكليف بما لا يطاق، قال الأشعري: "ومما يبين ذلك [أي أن الاستطاعة مع الفعل] أن الله تعالى قال: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ [هود: ٢٠]، وقال: ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١]، وقد أمروا أن يسمعوا الحق وكلفوه، فدل ذلك على جواز تكليف ما لا يطاق، وأن من لم يقبل الحق ولم يسمعه على طريق القبول لم يكن مستطيعًا" (٢).

الرابع: أن الاستطاعة المقارنة متضمنة للاستطاعة السابقة وزيادة هي الإرادة الجازمة بتوفيق الله سبحانه، فنفي الاستطاعة المقارنة هجر من القول،


(١) مجموعة الرسائل والمسائل (٣/ ٣٢)، وانظر: درء التعارض (٤/ ٢٦٨).
(٢) اللمع (٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>