للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ حقيقته إنكار الاستطاعة أصلًا، وهذه هي حقيقة قول الأشاعرة، فإنهم لم يجعلوا للعبد في الاستطاعة المقارنة أثرًا، وهذا مبني على قولهم في خلق الأفعال، وأن للإنسان قدرة غير مؤثرة على فعله، فهو كما عبَّر الرازي - وأحسن في التعبير -: "مجبور في صورة مختار" (١).

الخامس: أن كل أحد يجد من نفسه قدرة على كثير مما لم يفعله، وهذه القدرة لا يمكن أن تكون مقارنة، إذ لا فعل حينئذ تقارنه.

وقد تأول الأشاعرة ما ورد من أدلة على الاستطاعة السابقة بغير استطاعة البدن، فتأولوا استطاعة الحج بالمال الذي هو الزاد والراحلة، وتأولوا استطاعة خروج المنافقين بالمال والجِدة والظَّهر (٢).

وتبعًا لقول الأشاعرة والمعتزلة بأن الاستطاعة واحدة لا غير؛ فإنهم اختلفوا في بقاء الاستطاعة ودوامها.

أما الأشاعرة فذهبوا - كما تقدم - إلى أن الاستطاعة عرض، والعرض لا يبقى زمانين، ووافقهم على ذلك الماتريدية مع قولهم بالاستطاعتين (٣).

وأما المعتزلة فاختلفوا فيما بينهم في ذلك كما حكاه الأشعري في المقالات.


(١) عزاه للرازي في تفسيره: ملا علي قاري في شرح الفقه الأكبر (١٦٠)، ولم أقف عليه في تفسيره، وهذه العبارة قررها كذلك: التفتازاني في شرح المقاصد (٤/ ٢٣١) فقال: "ولهذا ذهب المحققون إلى أن المآل هو الجبر وإن كان في الحال الاختيار، وأن الإنسان مضطر في صورة مختار"، وانظر: (٤/ ٢٦٣) منه، والبيجوري كذلك في تحفة المريد (١٧٦) فقال: "وبالجملة فليس للعبد تأثير ما، فهو مجبور باطنًا مختار ظاهرًا".
(٢) انظر: اللمع (١٠٥ - ١٠٦).
(٣) انظر: التوحيد للماتريدي (٢٥٦) وما بعدها، والتمهيد للنسفي (٢٥٧) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>