ثانيها: أن تعلق علم الله ﷿ بعدم وقوع الفعل لا يخرجه عن كونه مقدورًا للعبد القدرة المصححة السابقة، وإن أخرجه عن كونه مقدورًا له القدرة المقارنة الموجبة له.
ثالثها: أن ما تعلق علم الله سبحانه بأنه لا يكون من أفعال المكلفين؛ إما أن يكون لعدم قدرة العبد عليه، وإما أن يكون لعدم إرادة العبد له، وإما أن يكون لعدم مشيئة الله له.
فالأول: لا يكلف العبد به لعجزه عنه، إذ القدرة مناط التكليف.
وأما الثاني: فيجوز الأمر به ووقوعه، ولا يخرجه عدم إرادة العبد عن الإمكان.
وأما الثالث: فلا يخرجه عدم مشيئة الرب سبحانه له عن كونه ممكنًا في نفسه، كما لم تخرجه مشيئة العبد عن كونه ممكنًا في نفسه؛ إذ أن مناط الإمكان هو قدرة العبد لا إرادته، فلا يمتنع التكليف بما لو أراده الفاعل لفعله - بعد مشيئة الله ﷿، وإنما يمتنع بما لو أراده لم يقدر عليه.
الأمر الثاني: أن النزاع في هذه المسألة يتنوع باعتبارين:
الأول: بالنظر إلى المأمور به، أي من حيث وقوعه من عدمه.
الثاني: بالنظر إلى جواز الأمر به (١)، فمن لم يفرق بين هذين الاعتبارين لم يوفق للحق في هذه المسألة، والفرق بينهما ثابت من وجوه:
- أن جواز الأمر به متعلق بوجود شرط التكليف وهو القدرة، بقطع النظر عن الوقوع من عدمه، فمتعلقه هو الشرع، وأما وقوعه