- أن جواز الأمر به لا تعلق له بإرادة العبد له؛ بل يأمر سبحانه بالفعل من يريده ومن لا يريده من المكلفين، لكن لا يأمر به من لو أراده لعجز عنه، وأما وقوعه فهو مشروط بإرادة العبد له، ولا يمكن وقوعه بدونها.
- أن جواز الأمر به لا يستلزم مشيئة الرب سبحانه له، بل يأمر سبحانه شرعًا بما لم يرد وقوعه كونًا - كما تقدم (١) -، وأما وقوعه فلا بد فيه من مشيئته سبحانه، إذ لا يخرج شيء في الوجود عنها.
ويلاحظ أن كلا الأمرين السابقين مبنيان على مسألة الاستطاعة والتفريق بين المتقدمة منها والمقارنة، ومن هنا تظهر العلاقة بين الاستطاعة وتكليف ما لا يطاق، وأن من وفق للصواب في الأولى وفق للصواب في الثانية ومن لا فلا، والله الموفق.
إذن فتكليف ما لا يطاق ينبني على مسألة الاستطاعة، فمتى وجدت الاستطاعة المتقدمة المصححة للفعل وجد التكليف، ولا يكون حينئذ تكليفًا بما لا يطاق بل هو مما يطيقه العباد باعتبار القدرة عليه، ومتى فقدت عُدِم التكليف ولم يتوجه.
وكل من وجد منه الفعل المأمور به فقد أطاقه بالمعنى القدري، ويكون قد كُلف بما أطاقه قدرًا، ومن لم يوجد منه الفعل فهو غير مطيق له، لا من جهة الوسع والقدرة - إذ لولاهما ما خوطب به ابتداءً - وإنما من جهة عدم وقوعه
(١) سبق الكلام على هذه المسألة في مبحث مستقل، انظر ص (٥٢٣) وما بعدها.