للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الجوزي : "فإذا جعل الشرع الأمور منوطة بالأسباب، كان إعراضي عن الأسباب دفعًا للحكمة" (١).

وأما في العقل، فلأن السبب مع مسبَّبه كالشرط مع مشروطه، لا يمكن أن يتأخر الشرط عنه، كما لا يمكن أن يوجد المشروط بدونه.

فكذلك السبب؛ لا يمكن أن يتأخر عن المسبَّب فيوجد المسبَّب ولمَّا يوجد السبب بعد، كما لا يمكن أن يوجد المسبَّب بدون سببه أصلًا.

وهذا يدل ضرورةً على أنه مؤثر، إذ لو كان مجرد علامة على المسبَّب غير مؤثر فيه لأمكن وجود المسبَّب مع تأخره عنه، لأن علامة الشيء يصح تأخرها وتقدمها عليه، كما يصح وجوده من دونها، وهذا ظاهر البطلان.

وأما في الحس، فلأننا نشاهد أسبابًا سلبت قواها المؤثرة فلم توجد مسبَّباتها - مع عدم خروجها عن مطلق السببية -، كماء الرجل العقيم، فهو باق على سببيته، لكنه سلب خاصية الإخصاب، فلم يعد مؤثرًا في الحمل، فلذلك لا يحصل الحمل حتى مع وجوده.

ولو كان الماء غير مؤثر أصلًا في حصول الحمل، بل هو علامة عليه لما تخلف الحمل، ولما كان لسلب خاصيته أثر في ذلك.

وأوضح منه ما قصه الله سبحانه علينا من قصة إبراهيم وإلقائه في النار، وانقلابها عليه بردًا وسلامًا، كما قال تعالى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٨، ٦٩].

فلم تخرج النار عن كونها نارًا، ولكن سلبت خاصيتها وقوتها فلم تؤثر


(١) صيد الخاطر (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>