للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإحراق، بل وانقلبت إلى ضده من البرد (١).

وأما في الفطرة، فلأن المؤاخذة بالذنب أمر مستقر في فطر الخلق، فلا ينفع المسيءَ اعتذارُه بكون فعله مجرد أمارة على حصول الإساءة، وليس له تأثير فيها، بل يزيده ذلك جرمًا ويكون سببًا لمزيد العقوبة عليه، لكونه استخف بفطر الناس وعقولهم، ولو كان صادقًا في كونه غير مؤثر في الإساءة لعُذر ولم يعاقَب.

وأما الجزئية الثانية، فيدل عليها الكتاب والسنة والإجماع والحس.

أما الكتاب: ففي مثل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [المدثر: ٥٥، ٥٦].

فذكرهم لا يمكن وجوده - مع إتيانهم بأسبابه - إلا أن يشاء الله، ولو كان سببًا تامًا لما توقف على المشيئة.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان: ٣٠، ٣١].

فأخبر سبحانه أن مشيئة العبد - التي هي سبب من أسباب الفعل - متوقفة في حصولها على مشيئة الله ﷿، وأنها لا يمكن أن تحصل بدونها.

وهذا من أظهر ما يكون من الدلالة، لأنه إذا كان السبب متوقفًا في وجوده على مشيئة الله، فتوقف تأثيره على المشيئة من باب أولى.

وأما السنة، فمثل حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت


(١) انظر: مفتاح دار السعادة (٣/ ١٢٠)، شفاء العليل (٢/ ٥٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>