للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الذي عنه وُجد، ومتى وُجد للأول الوجود الذي هو له؛ لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هي عليه من الوجود، الذي بعضه مشاهد بالحس، وبعضه معلوم بالبرهان، ووجود ما يوجد عنه إنما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو" (١).

وقد حكى ابن رشد اتفاق الفلاسفة فقال: "وأما كون المبادئ المفارقة وغير المفارقة فائضة عن المبدأ الأول، وأن بفيضان هذه القوة الواحدة صار العالم بأسره واحدًا، وبها ارتبطت جميع أجزائه حتى صار الكل يؤم فعلًا واحدًا، كالحال في بدن الحيوان المختلف القوى والأعضاء والأفعال، فإنه إنما صار عند العلماء واحدًا وموجودًا بقوة واحدة فيه فاضت عن الأول؛ فأمر أجمعوا عليه، لأن السماء عندهم بأسرها هي بمنزلة حيوان واحد" (٢).

وكون الوجود يفيض عن الباري سبحانه بالطبع لا بقصد منه لا ينافي معرفته به ورضاه، قال ابن سينا: "وليس كون الكل عنه على سبيل الطبع، بأن يكون وجود الكل عنه لا بمعرفة ولا رضًا منه، وكيف يصح هذا وهو عقل محض يعقل ذاته؛ فيجب أن يعقل أنه يلزم وجود الكل عنه، لأنه لا يعقل ذاته إلا عقلًا محضًا ومبدأ أولَ، وإنما يعقل وجود الكل عنه على أنه مبدؤه وليس في


= التوفيق"، من كتبه: "الفصوص"، و"آراء أهل المدينة الفاضلة"، مات بدمشق سنة (٣٣٩ هـ).
انظر: إخبار العلماء بأخبار الحكماء (١٨٢)، وسير أعلام النبلاء (١٥/ ٤١٦).
(١) آراء أهل المدينة الفاضلة (٥٥).
(٢) تهافت التهافت (٣٧٢ - ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>