للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم الكلام على هاتين المسألتين.

الثالثة: نفيهم لصفات الأفعال من حسن وقبح، وزعمهم أن ذلك إنما يكون بالشرع فقط، وسيأتي ذلك في موضعه بعون الله.

وقد استدل الأشاعرة على قولهم بشبه منها:

أولًا: أن إثبات تأثير الأسباب قدح في القدرة الإلهية، إذ لا مؤثر غيرها (١).

ثانيًا: أن إثبات الأسباب يعارض دليل الجواهر الفردة (٢)، ويفتح الباب أمام زندقة الفلاسفة القائلين بالطبع (٣).

أما شبهتهم الأولى، فمردودة من وجهين:

الأول: أن التأثير لفظ مشترك، يراد به التأثير التام الذي لا يتخلف، ويراد به التأثير الناقص الجزئي، والمراد بتأثير السبب الثاني لا الأول، إذ المؤثر


(١) انظر: موقف أهل السنة والجماعة من الأسباب وآراء المخالفين (٢/ ٤٦٢).
(٢) الجوهر الفرد هو: الجوهر الذي لا يقبل التجزي لا بالفعل ولا بالقوة. انظر: المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين (١١٠)، ودليل الجوهر الفرد أو الجواهر الفردة من الأدلة التي اعتمد عليها المتكلمون في إثبات أن الله سبحانه يفعل بالاختيار، في مقابلة قول الفلاسفة بالفيض، ويقوم هذا الدليل على إثبات تماثل الأجسام في الجواهر واختلافها في الأعراض، قال التفتازاني: "الأجسام متماثلة، أي متحدة الحقيقة، وإنما الاختلاف بالعوارض، وهذا أصل يبتنى عليه كثير من قواعد الإسلام كإثبات القادر المختار وكثير من أحوال النبوة والمعاد؛ فإن اختصاص كل جسم بصفاته المعينة لا بد أن يكون بمرجح مختار؛ إذ نسبة الموجب إلى الكل على السواء، ولما جاز على كل جسم ما يجوز على الآخر كالبرد على النار والحرق على الماء ثبت جواز ما نقل من المعجزات وأحوال القيامة، ومبني هذا الأصل عند المتكلمين على أن أجزاء الجسم ليست إلا الجواهر الفردة، وأنها متماثلة لا يتصور فيها اختلاف حقيقة" شرح المقاصد (٣/ ٨٣).
(٣) انظر: السببية عند أهل السنة والجماعة ومخالفيهم (٢/ ٧٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>