فالله ﷾ خلق خلقه وأودع فيهم معرفة ما تقوم به أمور معايشهم، وأودع فيهم محبة ما ينفعهم وقصده وإيثاره، وبغض ما يضرهم وتركه والابتعاد عنه، كما هدى الحيوان لجلب ما ينفعه بالأكل والشرب، ودفع ما يضره باللباس والكِنِّ.
وهذه الهداية مراتب لا يحصيها إلا هو سبحانه، فتبارك الله رب العالمين.
ومن خصائص هذه المرتبة:
١) أنها أسبق مراتب الهداية.
فالهداية العامة توجد مع المخلوق بوجوده، ولهذا كثيرًا ما يجمع الله ﷾ بينها وبين الخلق في الذكر، كما في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١ - ٥]، وقوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ١ - ٣]، وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠].
فالخلق: الإيجاد، والهداية: التعليم، وهذا كما في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: ٣، ٤]، وسيأتي في أدلة هذه المرتبة آيات أخرى.
٢) أنها عامة في كل مخلوق من حي أو جماد، لا تختص ببني آدم ولا بغيرهم.
فكل ما خلقه الله فهو مَهديٌّ هذه الهداية، وميسَّرٌ لها وموفق لها، لا فرق في ذلك بين حي وجماد، ولا بين جن وإنس وحيوان، ولا بين مؤمن وكافر، بل ولا بين عاقل ومجنون، فكلٌّ مهدي هذه الهداية، وإن اختلفت صورها وأشكالها.