للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدايتان مستقلتان لا يحصل الفلاح إلا بهما، وهما متضمنتان تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلًا وإجمالًا، وإلهامنا له وجعلنا مريدين لاتباعه ظاهرًا وباطنًا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة" (١).

وأما الإضلال؛ فيحصل كذلك بأمرين:

١) إضلال الله سبحانه للعبد، وهو فعله سبحانه، وهو خلق الضلال وبغض ما أمر به الله وحب ما نهى عنه.

٢) ضلال العبد وهو فعله، وهو كذلك أثر فعل الله سبحانه.

وهذا الإضلال منه ما يكون ابتداءً، ومنه ما يكون طارئًا بعد هدى.

قال ابن القيم : "وهذه المرتبة [أي: هداية التوفيق] تستلزم أمرين: أحدهما: فعل الرب تعالى وهو الهدى، والثاني: فعل العبد وهو الاهتداء، وهو أثر فعله سبحانه؛ فهو الهادي والعبد المهتدي. . . ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثره التام، فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد" (٢).

وإضلال الله سبحانه لمن شاء من عباده وهدايته من شاء منهم من صفاته سبحانه الفعلية التي تتعلق بمشيئته سبحانه، فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

والله سبحانه إنما يهدي من يعلم أنه أهل للهداية، وإنما يضل من يعلم أنه ليس أهلًا لها، فهو ﷿ حكيم يضع الأمور في مواضعها اللائقة بها، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]، وقال تعالى: ﴿رَبُّكُمْ


(١) مدارج السالكين (١/ ٢٢).
(٢) شفاء العليل (١/ ٢٦٦)، وانظر: (١/ ٢١٥) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>