للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: ١٧]، وقوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦]، فذكر أنه زاد هدايتهم جزاءً لهم على اهتدائهم، ولا يمكن حمل الاهتداء هنا على الدلالة والبيان، لأنه حاصل للكافر أيضًا، فلا تكون للمؤمن مزية عليه، وهذا باطل، فدل على أن للعبد فعلًا في الاهتداء بعد منَّة الله سبحانه عليه بالهداية الأولى.

وكما في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، فذكر هداية الدلالة وأنها حاصلة لهم، ثم ذكر أنهم عمَوا بفعلهم وقصدهم، فدل على أن العمى هنا ليس العمى عن هداية الدلالة، وإنما عن هداية التوفيق.

ويجمع بين الأمرين آيات كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ [يونس: ١٠٨]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [الزمر: ٤١]، فذكر أولًا حصول هداية الدلالة ببلوغ الرسالة وإنزال الكتاب، ثم ذكر الاهتداء والضلال، فدل على أن العبد يهتدي ويضل، إذ لا يمكن حمل الهداية والضلال على الدلالة وعدمها.

والخلاف الأشد في هذه القاعدة مع المعتزلة.

فقد ذهبت المعتزلة إلى إنكار هداية الله سبحانه لخلقه وإضلاله لهم، وجعلوا الهدى من الله سبحانه على وجوه:

الأول: البيان والدلالة.

الثاني: زيادة التثبيت والتسديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>