للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكافأة، فأما الهدي المبتدَأ؛ فقد هدى الله به البر والفاجر، وهو العقل والرسول والكتاب، فمن أنصف عقله وصدق رسوله وآمن بكتابه، وحلل حلاله وحرم حرامه؛ استوجب من الله الزيادة، والهدي الثاني: جزاء على عمله ومكافأة على فعله، كما قال ﷿: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: ١٧]، وقال: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦].

ومن كابر عقله وكذب رسوله ورد كتابه؛ استوجب من الله الخذلان، وتركه من التوفيق والتسديد، وأضله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، وذلك قوله : ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ عنى الهدى الثاني، ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ يقول: ومن يرد أن يوقع اسم الضلال عليه - بعد أن استوجب بفعله القبيح -: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] " (١).

وقال مفسِّرًا قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣]: "كما اتخذ إلهه هواه؛ أوقع عليه اسم الضلال وسماه به ودعاه - بعد أن اتخذ إلهه هواه - وختم على سمعه، وتركه من التوفيق والتسديد، وخذله ولم يؤيده ولم يسدده" (٢).

وقال بعد أن ذكر معاني الضلال: "والوجه السادس: قوله سبحانه: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣]، وقوله: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾


(١) كتاب في معرفة الله (ضمن رسائل العدل والتوحيد) (٢/ ٨١).
(٢) المصدر السابق (٢/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>