وأما الدليل الثاني؛ فهو مبني على التسوية بين المشيئة والمحبة، وهذا باطل كما تقدم (١)، فالضلال لم يأمر به الله سبحانه ولم يحبه، لكنه شاءه وخلقه، فهو مخلوق لله سبحانه مراد إرادة كونية غير مراد الإرادة الشرعية.
وأما الدليل الثالث؛ فلا حجة لهم فيه؛ إذ أن انتفاء ابتداء الله سبحانه للعبد بالضلال لا يعني أن لا يضله، بل إنما يدل على أن الإضلال من الله سبحانه لا يكون إلا بعد فعل العبد لموجب الإضلال.
وما ذكروه من قول الله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥] يدل على هذا، فإنه تضمن إثبات إضلال الله سبحانه للعبد؛ فإن "حتى" للغاية، فإذا وجدت الغاية حصل الإضلال.
وأما ما ذكروه من كون الإضلال لا على معنى الخلق؛ فدعوى باطلة، ثم هو استدلال بموضع النزاع.
وأما الدليل الرابع؛ فالضلال والدعوة إليه فعل العبد واكتسابه لا شك في ذلك، لكن هذا لا ينفي أن يكون مخلوقًا لله سبحانه كما تقدم.
وأما الدليل الخامس؛ فصحيح الدلالة على أن الضلال والفحشاء والمنكر من الشيطان دعوةً ومحبةً لا منه سبحانه، فالله سبحانه لا يحب الضلال ولا يدعو إليه، لكن هذا لا يعارض أنه من الله خلقًا وتقديرًا لما اقتضته حكمته سبحانه.
وأما الدليل السادس؛ فهو يدل على أن العبد فاعل للضلال كاسب له، وهذا صحيح، لكن لا يدل على أنه غير مخلوق له سبحانه، فجميع أفعال العباد خلق لله سبحانه وفعل للعباد واكتساب.