للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأمر والنهي، وطيًّا لبساط الشرع، واستقام الاستدلال هنا إذ لا تعطيل للشرع، وهذا هو الفرق الجوهري بين ما ينافي الشرع من ذلك وما لا ينافيه.

ولذلك كان قول المشركين: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] صحيحًا في ذاته، ولم ينكره الله عليهم، وإنما أنكر الله عليهم جعله حجة وذريعة لكفرهم وشركهم، ومعارضتهم أمره ونهيه سبحانه بقضائه وقدره (١).

وقد لخص ابن القيم ما يجوز من الاحتجاج بالقدر على الذنوب وما لا يجوز بعبارة مختصرة بديعة، فقال: "ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعًا؛ فالاحتجاج بالقدر باطل" (٢).

والناس في هذا المقام حيال الشرع والقدر على ثلاثة أقسام (٣):

الأول: من يحتج بالقدر على المعاصي لنفسه ولا يراه حجة لغيره، يستند إليه في الذنوب والمعائب، ولا يطمئن إليه في المصائب، ولا يحتج به على الطاعة، فهو عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري كما سبق، وهذا ليس مذهبًا لطائفة من بني آدم وإنما هو حال شرار الجاهلين الظالمين الذين لا لحدود الأمر والنهي حفظوا، ولا لحقيقة القضاء والقدر شهدوا، وهذا القسم شر الأقسام.

الثاني: خلافه، وهم من يحتج بالقدر على الطاعة، ولا يحتج به على المعصية، فيقيم شرع الله ويجتهد في ذلك، وينسب ما يوفق إليه من ذلك الخير


(١) انظر: تفسير البغوي (٣/ ٢٠١)، وشفاء العليل (١/ ٨٦ - ٨٧)، وروح المعاني (٨/ ٥٠).
(٢) شفاء العليل (١/ ٩٤).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٠٤ - ٢٠٩)، و (٨/ ١٠٧ وما بعدها) و (٨/ ٤٤٤ - ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>