للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام وإن كانوا يعتقدونه خطأ" (١).

والمحتجون بالقدر على المعاصي عكسوا الأمر؛ إذ أن سبق المقادير في الحقيقة باعث على تجنب المعاصي والمنكرات وفعل القربات والطاعات، ولذلك لما سمع سراقة قول النبي : (اعملوا فكل ميسر)؛ قال: فلا أكون أبدًا أشدَّ اجتهادًا في العمل مني الآن (٢)، وقد تقدم الكلام على ذلك في ثمرات الإيمان بالقدر (٣).

وأما الاحتجاج به عليها بما لا ينافي الشرع، فصورته أن يقع العبد في المعصية، ثم يتوب منها توبة نصوحًا، ويعلم أنه مقصر، وأنه مذنب باغ لا حجة له ولا عذر، ثم يحتج عليها بسبق القدر، وهذا إنما يكون عقب المعصية بعد التوبة منها، لا حال المعصية ولا قبلها.

وهذا النوع من الاحتجاج جائز ولا ينافي الشرع من وجهين:

الأول: أنه لا يؤدي إلى تعطيل الأمر والنهي، إذ تعظيم الشرع قائم في نفس هذا المحتج، وهو مقرٌّ بأن سبق القدر بالمصيبة ليس حجة له، وإلا لم ير نفسه مقصرا باغيًا.

الثاني: أن حقيقة هذا الاحتجاج ترجع إلى الاحتجاج بالقدر على المصيبة، لأن المعاصي هي من جملة المصائب، بل هي أعظم المصائب وشرها، وإنما لم يصح الاحتجاج بالقدر عليها في الحالة الأولى لأن في ذلك تعطيلًا لشرع الله، وإسقاطًا


(١) تفسير السعدي (١/ ٥٢١).
(٢) تقدم تخريجه ص (٤٤).
(٣) انظر ما تقدم ص (٤٣ - ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>