للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتج لنفسه بالقدر، فلا يحتج أحد بالقدر إلا لاتباع هواه بغير علم، ولا يكون إلا مبطلًا لا حق معه" (١).

ومن هذه اللوازم الباطلة يُعلم أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي هو عين القول بأن العبد مجبور عليها، إلا أن الجبرية الخُلَّص يفضُلون هؤلاء بأنهم يجعلون العبد مجبورًا على كلا الأمرين: الطاعة والمعصية، وأما هؤلاء فيجعلون العبد مجبورًا على المعصية، وأما الطاعة فهو غير مجبور عليها، بل فعلها بقدرته وإرادته.

وفي هؤلاء يصدق قول من قال من أهل العلم: "أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به؟! " (٢)، وإنما الواجب عكس القضية، فالمطلوب أن يشهد العبد سبق القدر ونفوذ المشيئة عند فعله الطاعة، وأن يشهد ذنوبه وتقصيره إذا وقع في معصية (٣).

ومن هنا يُعلم أن هؤلاء متبعون لأهوائهم، وأنهم لم يقصدوا إقامة الحجة في واقع الأمر، وهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنه لا حجة لهم.

قال السعدي : "ومنها [أي من وجوه بطلان الاحتجاج بالقدر على المعاصي]: أن احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصودًا، ويعلمون أنه ليس بحجة، وإنما المقصود منه دفع الحق، ويرون أن الحق بمنزلة الصائل، فهم


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٤ - ٤٥٥)، وانظر: (٢/ ٣٠١) منه.
(٢) نسبه شيخ الإسلام إلى أبي الفرج ابن الجوزي في بعض المواطن، انظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ٢٤٨) و (١٨/ ٢٠٤ و ٤٤٦) منه، ولم أقف عليه فيما تيسر لي الاطلاع عليه من كتبه.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٠٤ - ٢٠٥)، و (٨/ ٢٤١) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>