قول زنادقة الشعراء وجهال البشر وحثالة المجتمعات، الذين رأوا في الدين وتعاليمه مانعًا لهم وحاجزًا ورقيبًا عليهم، فأرادوا سد نور الشمس بغربال، فقلبوا الأمر وعكسوا القضية، وجعلوا الدين دليلًا لهم على فجورهم.
ثالثها: أن في هذا القول إسفافًا للعقول وإزراءً عليها، ومناقضة للفطر السليمة، إذ كيف يجوز عقل أو فطرة أن يباشر كل أحد كل قبيح ويقارف كل شنيعة، بلا لوم ولا عقوبة؟!
رابعها: أن هذا المذهب ممتنع التطبيق على أرض الواقع، حتى من جهة هؤلاء أنفسهم، إذ مضمونه أن يمكَّن الناس مما يريدون بدون رقيب أو حسيب وهذا مما لا يمكن وقوعه، لذلك تجد الواحد من هؤلاء إذا اعتدى عليه معتد في أمر يسير واحتج عليه بالقدر لم يقبل منه وطلب القصاص والحكم عليه.
خامسها: أن الاحتجاج بالقدر كما هو ممنوع شرعًا؛ فهو ممتنع قدرًا كذلك، لأن سبق القدر بالمعصية ليس بأولى من سبقه بالطاعة، فالمرء قبل الفعل لا يدري ما سبق به القدر، أسبق بالطاعة أو بالمعصية، فكيف يجعل المجهول دليلًا؟ وكيف يجعل المحتمل حجة، والاحتمال يسقط الاستدلال.
سادسها: أن ثبوت القدر لا ينافي قدرة العبد على الفعل ومشيئته له، بل يؤيده ويؤازره - كما تقدم -.
سابعها: أن زعم التنافي بين الشرع والقدر غير صحيح، لأن الله سبحانه قدر المقادير بناء على ما سبق به علمه أنه سيكون، فالله سبحانه علم من أبي بكر ﵁ أنه سيسلم ويتبع النبي ﷺ، وعلم من أبي جهل أنه سيعاند ويعادي النبي ﷺ، وإيمان أبي بكر وكفر أبي جهل كان باختيارهما.