وقد تقدم الكلام على هذه المعاني في غضون المطلب الأول.
وفي حقيقة الأمر أنه ليس لهؤلاء حجة من نص ولا عقل ولا فطرة، لا صحيحة ولا ضعيفة، لا ظاهرة ولا خفية، إذ أن أصحاب هذا المذهب لم يبنوه على ما أخطؤوا في فهمه من كتاب أو سنة أو عقل أو لغة، بل حقيقة حالهم أنهم لما ركبوا الذنوب والآثام، ورأوا مضادة فعلهم للدين والعقل والفطر - وحالهم أنهم لا يستطيعون إنكار الشرع ولا إنكار القدر - أرادوا مخرجًا ينجيهم من ورطتهم، فعارضوا بين الشرع والقدر، وقالوا: إن القدر حجة على مخالفة الشرع.
وأما الجواب المفصل؛ فبتتبع كل شبهة على حدة.
أما الشبهة الأولى؛ فجوابها ما سبق في الرد المجمل، إذ هي أم الشبه وأعمها.
وأما الشبهة الثانية؛ فجوابها من وجهين:
الأول: أن الله سبحانه لا يُسأل عما يفعل، كما قال تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، فالله سبحانه بمقتضى ربوبيته يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه، وليس للعبد المخلوق من عدم أن يعترض على ربه الجبار؛ لم فعل كذا ولم لم يفعل كذا، فالسؤال فاسد من أصله.
الثاني: أن الله سبحانه أراد الطاعة من العاصي، وأحبها ورضيها، لكنه سبحانه لم يشأ وقوعها منه، حكمة منه سبحانه وعدلًا، وعلمًا بأن هذا المحل لا يصلح للخير - كما سيأتي قريبًا -، فعدم إرادته سبحانه للطاعة من العاصي لا ينافي أن له اختيارًا وقدرة على الطاعة كما له اختيار وقدرة على المعصية.
وأما الشبهة الثالثة؛ فحديث المحاجة حديث صحيح، لكن لا دلالة لهم فيه من وجهين: