للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: أن موسى لم يلم آدم على المعصية، بل على المصيبة، وآدم لم يحتج بالقدر على المعصية بل على المصيبة، فاللوم والاحتجاج كانا على المصيبة، يدل عليه أمور:

أولًا: أن سياق المحاجة يدل على أن المقصود هو المصيبة التي سببها الذنب، فموسى قال: "خيبتنا وأخرجتنا من الجنة" ولم يقل: عصيت وأذنبت، وآدم احتج عليه بسبق القدر بالمصيبة، ولهذا حجه.

ثانيًا: أن آدم كان أعلم بربه وأتقى له من أن يحتج بالقدر على ذنبه إسقاطًا للَّوم، بل آحاد بنيه لا يفعل ذلك، إذ هو باطل شرعًا وعقلًا وفطرةً.

ثالثًا: أنه كيف يظن بموسى كليم الله أن يلوم أباه على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه، ومعلوم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وموسى نفسه قد أذنب وتاب الله عليه؟ (١).

الوجه الثاني: أن الاحتجاج بالقدر على الذنب يجوز إذا ارتفع اللوم، ولم يقصد به إسقاط الأمر والنهي - كما تقدم بيانه - (٢).

فمن احتج بالقدر على الذنب على هذا النحو فاحتجاجه مقبول صحيح، وأما من احتج به رفعًا للوم وإسقاطًا للأمر والنهي فهو باطل.

وقد تنوعت أجوبة الطوائف على هذا الحديث، فمن مكذب به، إلى زاعم أن آدم إنما حج موسى لأنه أبوه، إلى زاعم أنه إنما حجه لأن الذنب وقع في


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٤/ ٣٤٩) و (٨/ ٤٥٣ - ٤٥٤) و (١١/ ٢٥٩)، وشفاء العليل (١/ ٩٣ - ٩٤).
(٢) انظر ما تقدم ص (٧٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>