للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى: من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي؛ فليلتمس ربًّا سواي) (١).

وجوابه: أنه ضعيف جدًّا؛ في إسناده سعيد بن زياد: متروك (٢)، ثم هو مخالف لما دلت عليه النصوص مما تقدم آنفًا.

ثالثها: أن من لم يرض بقضاء الله فقد سخطه، إذ لا واسطة بينهما.

وجوابه: أن هذه الدعوى غير مسلَّمة، لأن الفرق ثابت - كما تقدم - بين قضاء الله الذي هو فعله، والمقضي المفعول، ففعل الله يُرضى ولا يُسخط، والمفعول يسخط من وجه ويرضى من وجه، فيجتمع فيه الأمران لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء المر؛ يكون مبغوضًا من جهة مرارته وسوء طعمه، لكنه مرضي من جهة كونه سببًا في الشفاء (٣).

ومن هنا يتضح الجواب على السؤال المشهور، وهو كيف يجتمع الرضا بالقدر مما لا يلائم العبد من محن ومصائب مع كراهيتها؟

فهذا القضاء المكروه هو مكروه من جهة تألمه به، ومرضي من جهة إفضائه إلى ما يحبه ويلتذ به، وسواء كان هذا في أمور الدنيا، كالمثال المتقدم آنفًا، أو في أمور الآخرة، كالجهاد؛ فإنه مكروه لما يقتضيه من جهد وبلاء وخسائر في الأنفس والأموال، وغير ذلك، ومحبوب من جهة إفضائه إلى رضوان الله والجنة، كما قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا


(١) رواه الطبراني (٢٢/ ٣٢٠).
(٢) انظر: ميزان الاعتدال (٢/ ١٣٨)، وقد ضعفه العراقي في المغني (٢/ ١١٥٨) ح (٤٢٠٠).
(٣) انظر: مدارج السالكين (٢/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>