الجبر فزعم أن العبد مجبور على فعله، وهو كالريشة في مهب الريح، وأنكر الحكمة، بل هو أول من أنكرهها، وزعم أن المشيئة هي عين الإرادة، فكل ما شاءه فقد أحبه.
وستأتي حكاية مذاهب المخالفين لأهل السنة في كل مسألة من هذه المسائل في محلها من البحث إن شاء الله، وإنما المقصود التنبيه على أن الخوض المحرم في القدر جرَّهم إلى مقالات باطلة ومذاهب منحرفة عن مراد الله والرسول؛ فها هنا أمران أصل وفرع، فالأصل هو الخوض المحرم، والفرع هو آحاد تلك المسائل.
وأما الرد على هذا الأصل وبيان بطلانه فمن وجوه:
أولها: أن الأدلة من الكتاب والسنة دلت - كما تقدم - على أن الخوضَ في القدر على هذا النحو محرمٌ.
الثاني: أن أقوال السلف من الصحابة والتابعين - كما تقدم أيضًا - دلت على حرمة هذا الخوض أيضًا، فاجتمع الكتاب والسنة مع فهم السلف على ذلك، فماذا بعد ذلك من حجة.
الثالث: أن الخوض في القدر على هذا النحو هو خوض فيما ليس للعقل فيه مدخل، وما ليس للعقل فيه مدخل، ولا للشرع فيه مدخل؛ فالطرق إليه مسدودة، والخوض فيه تهوُّر وتهوُّك.
الرابع: أن انخرام مذهبكم في القدر كله وكذا في أبواب أخرى من الدين إنما كان بسبب هذا الخوض المحرم، في حين أن من سلم منه سلم له مذهبه واطرد، فهذا يدل على بطلان هذا الخوض، إذ هذا فرع عن ذاك كما تقدم.