للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٢].

فعلل التحريم بكون ذلك فاحشة في نفسه، ولو لم يكن في نفسه فاحشة لم يصح تعليل الحكم به، لأن الوصف عندئذ يستفاد من الحكم الذي هو أمر الشرع، فيكون متأخرًا عنه فلا يصح أن يكون علة له.

ثم يقال أيضًا: العلة يجب أن تغاير المعلول، فلو كان معنى كونها فاحشة هو معنى كونها منهيًّا عنها؛ للزم أن تكون العلة عين المعلول وهذا محال (١).

ومن هنا كان من نفى التحسين والتقبيح العقليين ناف للحكمة، إذ لا وصف حينئذ يكون به الفعل حسنًا أو قبيحًا، والحكمة منشؤها من صفة الشيء؛ فلا حكمة حينئذ (٢).

وأما ما أثبته نفاة التحسين والتقبيح من حسن الشرائع فمعزول عن الحكمة، إذ منشؤه عندهم ذات الأمر والنهي، لا صفة في المأمور اقتضت ذلك، فلو أمر بالشرك ونهى عن التوحيد لحَسُن ذلك عندهم، ومعلوم أن هذا لا يمكن وقوعه لما في وقوعه من منافاة لحكمة الله سبحانه ووحدانيته، ولكن هؤلاء جوزوا فرض وقوعه لأنهم سدوا على أنفسهم باب التعليل.

ولذلك فإن إثبات الحكمة من أعظم الأدلة الشرعية العقلية على ثبوت الحسن والقبح العقليين.

القسم الثاني: الأدلة على أن من الأشياء ما لا يعلم قبحه بالعقل بل


(١) انظر: المصدر السابق (٢/ ٣٢٩).
(٢) انظر: إيثار الحق (٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>