للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الأدلة العقلية؛ فمنها:

أولًا: أن العبد مجبور في أفعاله، وإذا كان كذلك؛ لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح، لأن ما ليس فعلًا اختياريًّا لا يتصف بهذه الصفات بالاتفاق.

وهذا الدليل هو الذي اعتمده الرازي (١).

ثانيًا: أنه لو كان الحسن والقبح ذاتيين في الفعل للزم قيام العرَض بالعرَض، وهو باطل، بيان ذلك: أن الحسن أو القبح صفتان للفعل، وهما زائدتان عليه، إذ قد يعقل الفعل ولا يعقل كونه حسنًا أو قبيحًا، وهما وجوديان لأن نقيضيهما عدميان، فإذا كانا ذاتيين للفعل، وهما مع ذلك وصفان وجوديان زائدان ليسا من ماهية الفعل؛ بل قائمان به؛ فيلزم من ذلك قيام العرَض بالعَرض، وهو باطل، فثبت بهذا أن ليس للفعل من ذاته صفة حسن ولا قبح.

وهذا الدليل هو الذي اعتمده الآمدي (٢).

ثالثًا: أنه لو كان الحسن والقبح ذاتيين في الأفعال لما كان الفعل حسنًا في حال وقبيحًا في حال والفعل هو هو، مثال ذلك: الكذب لدفع القتل عن نبي، فالكذب حسن في هذه الحال، بينما هو في حاله الأصلي: قبيح، وكذا القتل؛ يحسن إذا كان قصاصًا، ويقبح إذا كان اعتداءً، والكذب والقتل هما هما، فإذا كان الفعل يقبح في حال ويحسن في حال؛ فليس له من نفسه حسن ولا قبح.

وأيضًا لو كانا ذاتيين لَلَزم اجتماع النقيضين في شيء واحد، مثال ذلك:


(١) انظر: المحصل للرازي (٢٠٣)، والمطالب العالية له (٣/ ٣٣٢ - ٣٣٣)، وانظر كذلك: المواقف (٣٢٤)، والإحكام للآمدي (١/ ١١٥).
(٢) انظر: الإحكام للآمدي (١/ ١١٧ - ١١٨)، وانظر كذلك: المواقف (٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>