للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه إذا قال واحد: لأكذبن غدًا، فإذا حضر الغد، فإما أن يكذب أو لا.

فإن كذب لزم حسن ذلك لكونه مستلزمًا لصدق الخبر، والمستلزم للحسن حسن، وهو قبيح لكونه كذبًا، فاجتمع فيه الحسن والقبح.

وإن لم يكذب؛ فهو حسن لأن الكذب قبيح وتركه حسن، وهو قبيح من جهة كذبه فيما أخبر به، فاجتمع فيه كذلك الحسن والقبح، فاجتماع النقيضين موجب لنفي ذاتية الحسن والقبح.

وهذا الدليل هو الذي اعتمده أبو المعالي الجويني (١).

والجواب عما استدلوا به:

أما الآيات؛ فلا دليل لهم فيها على نفي الحسن والقبح في الأفعال، إذ فيها أن الله سبحانه لا يعذب أحدًا بسوء صنعه إلا بعد إرسال الرسل وإقامة الحجة، وهذا غير ناف لكون الأفعال المعذَّب عليها قبل البعثة قبيحة في نفسها، ففرق بين ثبوت قبح الشيء واستحقاق العقوبة عليه، بل هذه الآيات دليل عليهم؛ إذ مضمونها أنها قبائح في نفسها، لأنها لو لم تكن قبائح لما كانت سببًا للعقوبة التي حال دونها عدم قيام الحجة، فالآيات دالة على الأصلين:

- ثبوت القبح في ذات الأفعال.

- أنه لا عقوبة على القبائح إلا بعد إرسال الرسل وإقامة الحجة (٢).

ثم قد تقدم في المطلب الأول من الآيات ما يدل على ثبوت الحسن


(١) انظر: التلخيص للجويني (١/ ١٦٠)، وانظر: الإحكام للآمدي (١/ ١١٤ - ١١٥)، والمواقف (٣٢٥).
(٢) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>