للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي عبد الجبار: "فاعلم أن شيوخنا المتقدمين كانوا يطلقون القول بوجوب الألطاف إطلاقًا، ولا وجه لذلك، بل يجب أن يقسم الكلام ويفصل، فنقول: إن اللطف إما أن يكون متقدمًا للتكليف، أو مقارنًا له، أو متأخرًا عنه، ولا رابع.

فإن كان متقدمًا فلا شك في أنه لا يجب، لأنه إذا كان لا يجب إلا لتضمنه إزاحة علة المكلف، ولا تكليف هناك حتى يجب هذا اللطف لمكانه، وأيضًا فإنه إذا جرى مجرى التمكين، ومعلوم أن التمكين قبل التكليف لا يجب، فكذلك اللطف، وإذا كان مقارنًا له فلا شبهة أيضًا في أنه لا يجب، لأن أصل التكليف إذا كان لا يجب - بل القديم تعالى متفضل به مبتدأ - فلأن لا يجب ما هو تابع له أولى، فصح أن مراد المشايخ بذلك الإطلاق ما ذكرناه" (١).

واستدل المعتزلة على إيجابهم اللطف على الله سبحانه بأدلة منها:

أولًا: أن المكلِّف وهو الله تعالى يلزمه أن يلطف بالمكلَّف وهو العبد حتى يعرضه للمنفعة، وليتم للمكلِّف قصده وغرضه.

قال القاضي عبد الجبار: "إن المكلِّف يلزمه للتكليف السابق أن يلطف للمكلَّف، كما يلزمه أن يقدره ويمكنه" (٢).

ثانيًا: أن منع اللطف نقض لغرض المكلِّف الذي هو الإتيان بالمأمور، ونقض الغرض قبيح.

قال القاضي عبد الجبار: "فالذي يدل على صحة ما اخترناه من المذهب


(١) شرح الأصول الخمسة (٥٢٠ - ٥٢١).
(٢) المغني في أبواب التوحيد والعدل (١٣/ ٣٨)، وانظر: (١٣/ ١٧) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>