للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إيجابهم الثواب على الله على جهة الاستحقاق؛ فغير صحيح، إذ الله سبحانه هو الذي تفضل بإثابة المطيع، وتفضل قبل ذلك بأن وفقه للعمل وصرف عنه الموانع، ثم حفظه له من الحبوط، فله الفضل كله، بل لو عذب الله سبحانه أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، وليس شيء من أعمال بني آدم - حتى الرسل - ثمنًا لجنة الله سبحانه، وإنما المعول في ذلك كله على فضل الله سبحانه وجوده وكرمه.

وأما العقاب؛ فالقول بإيجابه قول معتزلة بغداد، قالوا يجب على الله سبحانه أن يعذب من ارتكب كبيرة ومات غير تائب منها، ولا يجوز لله تعالى أن يعفو عنه.

قال القاضي عبد الجبار: "اعلم أن البغدادية من أصحابنا أوجبت على الله تعالى أن يفعل بالعصاة ما يستحقونه لا محالة، وقالت: لا يجوز أن يعفو عنهم، فصار العقاب عندهم أعلى حالًا في الوجوب من الثواب، فإن الثواب عندهم لا يجب إلا من حيث الجود، وليس هذا قولهم في العقاب، فإنه يجب فعله بكل حال" (١).

ومما تعلقوا به من شبه في هذا: قولهم إن عدم عقوبة العاصي يؤول إلى التسوية بين المطيع والعاصي وهذا ظاهر القبح، وقولهم إن ترك العقوبة على المعصية يغري بارتكابها والإقامة عليها.

وما ذهبوا إليه باطل من وجوه:

الأول: ما تقدم من بطلان الإيجاب عليه سبحانه.


(١) انظر: المصدر السابق (٦٤٤ - ٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>