فجعله سبحانه القبيح سببًا للعقوبة دليل على أن العقل يدرك حرمته، وإلا لما كان سببًا، إذ إدراك العقل شرط في العقوبة بعد ورود الشرع، فمن باب أولى أن يكون شرطًا لذلك قبل وروده (١).
فالصواب أن العقل قد يدرك مقتضى ما أدركه من حسن وقبح على سبيل الإجمال.
وأما مخالفتهم الثانية، وهي قولهم: إنه يجوز عقلًا أن لا يأمر بالله سبحانه بالإيمان ونحوه، فمردودة من وجوه:
الأول: امتناعها شرعًا وواقعًا، والشرع لا يأتي بما يخالف مقتضى العقل الصريح.
الثاني: أن تعليلهم بأن الله لا تضره معصية كما لا تنفعه طاعة لا يصح، بل هو حجة عليهم، لأن الله ﷾ لم يأمر عباده بالإيمان لينتفع هو بذلك، بل هو غني حميد، فانتفاعه بالطاعة وتضرره بالمعصية ليس مناطًا وعلة لأمره بالعبادة حتى يجوَّز نفيه لانتفاء النفع والضرر - مع كونه منتف أصلًا -.
وأما أبو منصور ومن تابعه، فيخالفون أهل السنة في القول بوجوب ذلك قبل البعثة، وأن من لم يأت بذلك قبل البعثة فهو غير معذور.
وهذا لا يصح؛ فإن مرتكب القبيح وإن كان ناقصًا معيبًا كما تقدم ومستحقًّا للعقوبة بقيام سببها؛ فإنه لا يتحقق ذلك إلا بوجود شرطه وهو بلوغ الحجة، فمن لم تبلغه الحجة لا يعذب لفعله القبيح.
وأما ما ذكروه عن أبي حنيفة فيحتاج إلى إثباته، فإن ثبت فلا يخلو: إما أن