وكان أمية بن خلف أيضًا أراد أنْ يتخلف عن الخروج، وله في ذلك قصة يحكيها سَعْدُ بن مُعاذٍ - رضي الله عنه - حيث كانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَكانَ أُمَيَّةُ إِذا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ بن معاذ، وَكانَ سَعْدٌ إِذا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي ساعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيتِ فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهارِ فَلَقِيَهُما أبو جَهْلٍ فَقالَ: يا أَبا صَفْوانَ مَنْ هَذا مَعَكَ؟ فَقالَ: سَعْدٌ، فَقالَ لَهُ أبو جَهْلٍ: أَلا أَراكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّباةَ وَزَعَمْتُمْ أَنكمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَما واللهِ لَوْلا أَنَّكَ مَعَ أبي صَفْوانَ ما رَجَعْتَ إلى أَهْلِكَ سالِمًا، فَقالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَما واللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذا لَأَمْنَعَنَّكَ ما هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يا سَعْدُ عَلَى أبي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوادِي، فَقالَ سَعْدٌ: دَعْنا عَنْكَ يا أُمَيَّةُ فَواللهِ لَقَد سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إنَّهُمْ قاتِلُوكَ"، قالَ: بِمَكَّةَ؟ قالَ: لا أَدْرِي، فَفَزعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إلى أَهْلِهِ قالَ: يا أُمَّ صَفْوانَ أَلَمْ تَرَيْ ما قالَ لِي سَعْدٌ؟ قالَتْ: وَما قالَ لَكَ؟ قالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قالَ: لا أَدْرِي، فَقالَ أُمَيَّةُ: واللهِ لا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أبو جَهْلٍ النّاسَ، قالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتاهُ أبو جَهْلٍ، فَقالَ: يا أَبا صفْوانَ إِنَّكَ مَتَى ما يَراكَ النّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أبو جَهْلٍ حَتَّى قالَ: أَمّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَواللهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قالَ أُمَيَّةُ: يا أُمَّ صَفْوانَ جَهِّزِيني، فَقالَتْ لَهُ: يا أَبا صَفْوانَ وَقَدْ نَسِيتَ ما قالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قالَ: لا، ما أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلّا قَرِيبًا، فَلَمّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ الله -عز وجل- بِبَدْرٍ (١).
(١) صحيح: أخرجه البخاري (٣٩٥٠) كتاب: المغازي، باب: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من يقتل ببدر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute