للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمعت! قال: قلت: قد والله فعلتُ، ما كان مني إليه كبير، وأيم الله لأتعرضنَّ له فإن عاد لأكفينَّكُنَّه.

قال: فغدوتُ في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أُحبُّ أن أدركه منه قال: فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقعُ به، وكان رجلًا خفيفًا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر، قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتدُّ، فقلت في نفسي: ما له لعنه الله أَكُلُّ هذا فَرَقٌ مني أن أُشاتمه؟! قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره، قد جدَّع بعيره (١) وحوَّل رَحله، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة (٢) أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمَّد في أصحابه، لا أرى أن تُدركوها الغوث الغوث.

قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعًا، قالوا: أيظن محمَّد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟! كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث رجلًا، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان قد لأط (٣) له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يُجزئ عنه (٤).


(١) جدَّع بعيره: قطع أنفه.
(٢) اللطيمة: الإبل تحمل الطيب.
(٣) لأط: أي اقتضاه.
(٤) "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٣٥، ١٣٦، رواه ابن إسحاق بإسنادين أحدهما عن ابن عباس، ولكن فيه مبهم حيث قال ابن إسحاق: فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس به.
والثاني بإسناد صحيح إلى عروة بن الزبير ولكنه مرسل، ويمكن أن يعتضدا ببعضهما.

<<  <   >  >>