للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتَخوم البلقاء (١) لقيتهم جموع هرقل، من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عُذْرة، يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له: عَبَاية بن مالك، ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شاط (٢) في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم أخذ يقاتل وهو يقول:

يا حَبَّذا الجنةُ واقْترابُها ... طيِّبةً وباردًا شرابُها

والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها .. كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها

عليَّ إذ لاقيتُها ضِرابُها

ثم قاتل - رضي الله عنه - حتى قُتل، ويقال أنه أخذ الراية بيمينه، فقُطِعت يمينه، فأخذها بشماله فقُطِعت، فاحتضنها بعضديه حتى قُتِل - رضي الله عنه - , فأثابه الله جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء.

ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - , وتقدَّم بها وهو على فرسه، فجعل يتردَّد بعض الشيء ثم قال:

أقْسَمتُ يا نفسُ لتنزلنَّهْ ... لتَنْزلنْ أوْ لَتُكرهَنَّهْ

إنْ أجْلَبَ الناسُ وشدُّوا الرنَّهْ (٣) ... ماليْ أَراكِ تكرهين الجنه


(١) التخوم: حدود الأرضَيْن التي تقع بين أرض وأرض، ويقال بفتح التاء أو ضمها.
(٢) شاط: أي هلك تقول شاط الرجل، إذا سال دمه فهلك.
(٣) أجلب الناس: صاحوا واجتمعوا، والرنة: صوت فيه ترجيع يُشبه البكاء.

<<  <   >  >>