للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فسألته عن سيرته في جلسائه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم الا فيما يرجو ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كان على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى ان كان أصحابه يستحلونه في المنطق، ويقول:

إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه، ولا يقبل الثناء الا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.

قال: فسألته كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوته على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكر. فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره- أو قال: تفكره- ففيما يبقى ويفنى. وجمع له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى، والقيام لهم فيما جمع لهم في الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وسلم [١] .

... يعقوب حدثنا أبو بشرو ابن قعنب [٢] حدثني إسحاق بن صالح


[١] ابن كثير: البداية والنهاية ٦/ ٣١- ٣٣ وانظر مقتطفات من الوصف من طريق يعقوب بن سفيان أيضا في الذهبي: تاريخ الإسلام ١/ ٢٦١- ٢٦٢ وابن كثير: البداية والنهاية ٦/ ١٧.
[٢] وقع فيه «أبو بشر بن قعنب» والصواب ما أثبته لان أبا بشر هو بكر بن خلف وعبد الله بن مسلمة بن قعنب يكنى أبا عبد الرحمن، وكلاهما من شيوخ الفسوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>