للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ أَسْخَى مَنْ رَأَيْتُ، كَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ جَاءَ وَسَأَلَهُ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْءٌ فَيَسْتَلِفُ مِنْ عَبِيدِهِ، فَيَقُولُ لِأَحَدِهِمْ: يَا فُلَانُ أسلفني كما تعرف، وأضعف لك كما تَعْلَمُ، فَيُسْلِفُونَهُ وَلَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَهُ سَائِلٌ فَلَا يَجِدُ مَا يُعْطِيهِ فَيَتَغَيَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَجْهُهُ وَيَقُولُ لِلسَّائِلِ أَبْشِرْ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَقَضَى اللَّهُ لِابْنِ شِهَابٍ عَلَى قَدْرِ صَبْرِهِ وَاحْتِمَالِهِ رَجُلًا يَهْدِي لَهُ مَا يَسَعُهُمْ وَإِمَّا رَجُلًا يَبِيعُهُ فَيُنْظِرُهُ. قَالَ: وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ بِالثَّرِيدِ فِي الْخَصْبِ وَغَيْرِهِ، وَيُسْقِيهِمُ الْعَسَلَ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَسْهَرُ عَلَى الْعَسَلِ كَمَا يَسْهَرُ أَصْحَابُ الشَّرَابِ عَلَى شَرَابِهِمْ وَيَقُولُ: اسْقُونَا وَحَدِّثُونَا، فَإِذَا رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَدْ نَعَسَ قَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ مِنْ سُمَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ سامِراً تَهْجُرُونَ ٢٣: ٦٧ [١] . قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ مُعَصْفَرَةٌ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ وَتَحْتَهُ مَجْلِسٌ مُعَصْفَرٌ [٢] .

قَالَ: سَمِعْتُهُ يَبْكِي عَلَى الْعِلْمِ بِلِسَانِهِ وَيَقُولُ: يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَوَضَعْتَ مِنْ عِلْمِكَ عِنْدَ مَنْ تَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا فِي النَّاسِ بَعْدَكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَشَرَ أَحَدٌ الْعِلْمَ نَشْرِي، وَلَا صَبَرَ عَلَيْهِ صَبْرِي، وَلَقَدْ كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ فما يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ الا أن يبتدى [٣] الْحَدِيثَ أَوْ يَأْتِيَ رَجُلٌ فَيَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرٍ قد


[١] المؤمنون آية ٦٧.
[٢] أورد هذه الرواية ومن حديث الليث أيضا الذهبي: تاريخ الإسلام ٥/ ١٣٧ وابن كثير: البداية والنهاية ٩/ ٣٤٣. وابن حجر: تهذيب التهذيب ٩/ ٤٤٨.
[٣] في الأصل «يبتدروني» وما أثبته من ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق ١١/ ٧٤ أ. والذهبي: سير أعلام النبلاء ٥/ ٩٧ الاولى و ١ (حسب ترقيم النسخة المصورة في مكتبة الأوقاف) .

<<  <  ج: ص:  >  >>