اعلم ارشدني الله واياك أنه وقع في المسند أحاديث مكررة كغيره من الكتب الأصول المعتبرة، كصحيحي البخاري ومسلم والسنن الأربع ونحوها، وما فعل مؤلفوها ذلك عبثا بل لحكمة عظيمة، منها تعدد الطرق في اسند واختلاف الألفاظ في المتن ونحو ذلك، فتارة يروى الحديث الواحد عن صحابي واحد من طرق متعددة بألفاظ مختلفة (١) فلحرصهم على الإحاط بجميع الروايات وقع التكرار في كتبهم، وبتتبعي لأحاديث المسند لم أجد حديثا مكررا إلا لذلك ونحوه
(١) فإن قيل كيف يختلف اللفظ والمصدر واحد؟ (قلت) قد يقع ذلك من بعض الرواة، فبعضهم يروي الحديث باللفظ، وبعضهم يرويه بالمعنى، وروايته بالمعنى جائزة خصوصا في القرون الثلاثة الأولى لقرب عهدهم بعصر النبوة وعلمهم بمواقع الخطاب ودقائق ألفاظه وأمانتهم في التبليغ لقوة إيمانهم. قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله: في كتابه المستصفى نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه. (وقال فريق): لا يجوز له إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه بالمعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة، والاستطاعة بالقدرة، ووالابصار والاحساس بالبصر، والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه، وعلى الجملة ما لا يتطرق اليه تفاوت بالإستنباط والفهم، وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على شرح الشرع للعجم بلسانهم، فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكان سفراء رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم، وكذلك من سمع شهادة الرسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى هذا لأنا نعلم أنه لا تعبد باللفظ. (فإن قيل): فقد قال صلى الله عليه واله وصحبه وسلم {نضر امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه}، قلنا هذا هو الحجة لأنه ذكر اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه وهذا