الآن أن الذي كنت أقول لهم حقا، وإن الله تعالى يقول (إنك لا تسمع الموتى (وما أنت بمسمع من في القبور)
وتقدم في هذا الكتاب (أي كتاب الجنازة) شيء كثير من هذا القبيل، أما استدلالها بالآية فلاحجة فيه، فقد قال العلماء هي محمولة على الكفار الاحياء الذين لم يستجيبوا للنبي صلى الله عليه وسلم مجازا، فإن قلوبهم ميتة مقبورة لا تعي ما يقال لها (قال ابن عبد البر) ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال " ما من مسلم يمر بقبر أخ كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" (وقال الحافظ ابن القيم في كتابه الروح) وفي الصحيحين من وجوه متعددة أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فقال له عمر يا رسول الله ما يخاطب من أقوام قد جيفوا (أي انتنوا) فقال والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون جوابا، وأما قوله تعالى "وما أنت بمسمع من في القبور" فسياق الآية يدل على أن الكافر ميت القلب لا يقدر على اسماعه اسماعا ينتفع به أي إجابته، كما أن من في القبر لا يقدر على إسماعه إسماعا يجيب عنه، وكذا (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) أي كما أنك لا تسمع الموتى اسماعا يستجيبون له، فكذلك الصم إذا أدبروا؛ فانضم إذا صممهم إلى عدم إبصارهم بإدبارهم لم يقدر أن يسمعهم اسماعا يستجيبون له، فحال هؤلاء الكفار في عدم الاستجابة كحالهم، فإن قلوبهم ميتة وصم عن الحق، ولم ينف عنهم السماع بالكلية، يوضحه قوله عقبه "إن أنت إلا نذير" كيف وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس في الصحيحين أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا أهـ (تخريجه) (ق. وغيرهما) (زوائد الباب) (عن عمر رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع بقيع الغرقد فقال السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين ورحم الله المستقدمين وإنا إن شاء الله لا حقوق يعني بكم، رواه البزار وفيه غالب بن عبد الله وهو ضعيف (وعنه أيضا) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير حين رجع من أحد فوقف عليه وعلى أصحابه، فقال أشهد أنكم أحياء عند الله، فزورهم وسلموا عليهم، فو الذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه يوم القيامة، رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني (وعن مجمع بن حارثة) رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة من بني عمرو بن عوف حتى انتهى غلى المقبرة، فقال