للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القبور أولى والله أعلم أهـ (وقال الحافظ ابن القيم) في الهدى كان صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته وشرعها لهم وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة عليه من الدعاء والترحم والاستغفار، فأبي المشركون الأدعاء والإشراك به والأقسام على الله به سؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم فإنه هدى توحيد وإحسان إلى الميت، وهدى هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام، إما أن يدعو به أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين الفرق بين الأمرين وبالله أهـ (وقال الإمام محمد بن اسماعيل الصنعاني) صاحب كتاب سبل السلام في رسالته (تطهير الاعتقاد من أدران الالحاد) بعد كلام طويل في هذا الموضوع (فإن قلت) هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والانجاد وطبق الأرض شرقا وغربا ويمنما وشاما وجنوبا وشمالا بحيث لا بلدة من بلاد الإسلام ولا قرية من قراه إلا وفيها قبور ومشاهد، وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأمسائها ويحلفون ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل أمر ويقدرون عليه من العيادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع والتذلل والافتقار إليها، بل هذه مساجد المسلمين غالبا لا تخلو عن قبر أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع العاقل أن منكرا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة والقباحة ويسكت عليه علماء الإسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا (قلت) إن أردت الأنصاف، وتركت متابعة الأسلاف، وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل، لا ما اتفق عليه العوالم جيلا بعد جيل وقبيلا بعد قبيل، فاعلم أن هذه الأمور التي تدندن حول انكارها، ونسعى في هدم منارها، صادرة عن العامة الذين اسلامهم تقليد الآباء بلا دليل؛ ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دني ومثيل، ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه، ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويطوفون به على قبره، فينشأ على هذا الصغير رشاخ عليه الكبير، ولا يسمعون من أحد انكارا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل وينتصب للقضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>