-[مذاهب العلماء فى حكم خرص النخيل والأعناب - وكلام الحافظ ابن القيم فى ذلك]-
.....
رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، فقال لها احصى ما يخرج منها الحديث، وقال الخرقى من الحنابلة يجزئ خارص واحد لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يبعث ابن رواحة فيخرص ولم يذكر معه غيره، ولأن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده اليه فهو كالحاكم والقائف، ويعتبر فى الخارص أن يكون أمينًا غير متهم اهـ. وحكى الشوكانى عن أبى حنيفة عدم جواز الخرص لأنه رجم بالغيب، قال والأحاديث تردّ عليه، قال وقد قصر جواز الخرص على مورد النص بعض أهل الظاهر، فقال لا يجوز إلا فى النخل والعنب ووافقه على ذلك شريح وأبو جعفر وابن أبى الفوارس (قلت) والأئمة الثلاثة (مالك والشافعى وأحمد) وقيل يقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه بالخرص، واختلف فى خرص الزرع فأجازه للمصحلة الأمام يحيى ومنعته الهادوية والشافعيى اهـ (وحكى الحافظ) عن الخطابى أنه قال أنكر أصحاب الرأى الخرص، وقال بعضهم إنما كان يفعل تخويفًا للمزارعين لئلا يخونوا، لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، وكان يجوز قبل تحريم الربا والقمار، وتعقبه الخطابى بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبى، قال وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك؛ بل هو اجتهاد فى معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذى هو نوع من المقادير، قال واعتل الطحاوى بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذًا بدلًا مما لا يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمِّنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، وقال ابن المنذر أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان اهـ (وقال الحافظ ابن القيم رحمه الله) فى كتابه إعلام الموقعين (المثال التاسع والعشرون) رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فى خرص الثمار فى الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا صلاحها، ثم ذكر أحاديث الخرص وقال- ادعى جماعة رد هذه السنن كلها بقوله تعالى {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} قالوا والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار، وهذا من أبطل الباطل، فان الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا والميتة والمذكاة، وقد نزه الله ورسوله وأصحابه عن تعاطى القمار وعن شرعه وإدخاله فى الدين، ويالله العجب أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة؛ هذا والله الباطل حقًا والله الموفق للصواب اهـ ببعض تصرف (قلت) إذا علمت هذا فالراجح فول القائلين بمشروعية الخرص عملًا بأحاديث الباب وفعل الصحابة والتابعين ومن بعدهم والله أعلم