-[ما يستدل به على فضائل خالد بن الوليد والعباس عم النبى صلى الله عليه وسلم]-
فإنَّكم تظلمون خالدًا فقد احتبس أدراعه فى سبيل الله، وأمَّا العبَّاس فهو علي
لأنه كان فقيرًا فأغناه الله من فضله بما أفاء على رسوله وأباح لأمته من الغنائم ببركته صلى الله عليه وسلم فقد جعل نعمة الله سببًا لكفرها، وهذا مما لا ينبغى أن يكون علة لكفران النعمة ومنع الزكاة، فالمراد به المبالغة فى التنفير من المنع (وفى رواية عند البخارى) فأغناه الله ورسوله (قال الحافظ) إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، لأنه كان سببًا لدخوله فى الاسلام فأصبح غنيًا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله، قال وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له، وفيه التعريض بكفران النعم وتقريع بسوء الصنيع فى مقابلة الاحسان اهـ. وقال ابن المهلب كان ابن جميل منافقًا فمنع الزكاة فاستتابه الله تعالى بقوله ((وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرًا لهم)) فقال استتابنى ربى فتاب وصلح حاله اهـ (١) لفظ مسلم فقد احتبس ادراعه وأعتاده فى سبيل الله ورواية البخارى وأبى داود فقد احتبس (ادراعه وأعتده) والأعتد. والأعتاد جمع عتاد بفتح العين المهملة، وهى آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها؛ ومعنى الحديث أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم لا زكاة لكم علىّ، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم إن خالدًا منع الزكاة. فقال لهم إنكم تظلمونه لأنه حبسها ووقفها فى سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها. ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها، لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعًا فكيف يشح بواجب عليه. واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة. وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف خلافًا لداود، وفيه دليل على صحة الوقف وصحة وقف المنقول. وبه قالت الأمة بأسرها إلا أبا حنيفة وبعض الكوفيين، وقال بعضهم هذه الصدقة التى منعها ابن جميل وخالد والعباس لم تكن زكاة إنما كانت صدقة تطوع. حكاه القاضى عياض، قال ويؤيده أن عبد الرزاق روى هذا الحديث وذكر فى روايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الصدقة وذكر تمام الحديث. قال ابن القصار من المالكية وهذا التأويل اليق بالقصة فلا يظن بالصحابة منع الواجب. وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله فى سبيل الله فما بقى له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع ويكون ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه. وقال فى العباس هى علىّ ومثلها معها، أى انه لا يمتنع إذا طلبت منه. هذا كلام ابن القصار (وقال القاضى) لكن ظاهر الأحاديث فى الصحيحين أنها فى الزكاة لقوله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة وإنما كان يبعث فى الفريضة (قال النووى) الصحيح المشهور أن هذا كان فى الزكاة لا فى صدقة التطوع. وعلى هذا قال أصحابنا وغيرهم