-[كلام العلماء فى ليلة القدر هل هى باقية أم رفعت؟ وهل هى خاصة بهذه الأمة؟]-
.....
(الأحكام) اشتمل هذا الباب مع زوائده على مجموعة أحاديث استقصيت فيها كل ما ورد فى ليلة القدر بقدر المستطاع فلا تكاد تظفر بمجموعة مثلها فى غير هذا الكتاب، ولكثرة الأحاديث وتنوعها فى هذا الباب جعلته ثمانية فصول، أودعت فى كل فصل منه نوعا من تلك الأنواع لتسهيل المراجعة وتناول الأحكام، ولاحظت نحو ذلك فى الزوائد، مفتتحا هذه الفصول بما ورد فى فضل ليلة القدر وما يقول من رآها أوردت فيه حديث أبي هريرة رضى الله عنه (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وحديث عائشة رضي الله عنها (قالت يا نبي الله ان وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال تقولين اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى) وتقدم شرحهما وتخريجهما والكلام عليهما هناك وقد أجمع العلماء على ما جاء فى هذين الحديثين ولم يخالف فى ذلك أحد (واختلفوا) هل هى (آعنى ليلة القدر) من خصائص هذه الأمة أو لجميع الأمم المتقدمة؟ وهل هى خاصة بزمن النبى صلى الله عليه وسلم ثم رفعت أو باقية إلى يوم القيامة؟ وإذا كانت باقية فهل تنتقل فى جميع أشهر السنة أو هى محصورة فى رمضان؟ وإذا كانت محصورة فى رمضان ففى أى ليلة منه تكون؟ للعلماء فى ذلك أقوال شتى (القول الأول) أنها خاصة بهذه الأمة ولم تكن فى الأمم قبلهم، قال الحافظ جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله عن الجمهور، وحكاه صاحب العدة من الشافعية ورجحه، وهو معترض بحديث أبى ذر عند النسائى حيث قال فيه قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال لا بل هى باقية اهـ (قلت) حديث أبى ذر رواه الأمام أحمد أيضا وتقدم فى الفصل الثانى من فصول الباب وفيه (قلت تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هى إلى يوم القيامة؟ قال بل هى إلى يوم القيامة (واحتج القائلون بالخصوصية) بما جاء فى الموطأ عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول إن لا يبلغوا من العمل مثل الذى بلغ غيرهم فى طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر (قال الحافظ) وهذا يحتمل التأويل فلا يدفع التصريح فى حديث أبى ذر اهـ (وقال ابن عبد البر) هذا لا يعرف فى غير الموطأ لا مسندا ولا مرسلا وهو أحد الأحاديث التى انفرد بها مالك اهـ (وقال الحافط السيوطى) فى تعليقه على الموطأ لكن له شواهد من حيث المعنى مرسلة فأخرج ابن أبى حاتم فى تفسيره من طريق ابن وهب عن سلمة بن على عن على بن عروة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بنى إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما لم بمصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فاتاه جبريل فقال قد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خير من ألف شهر، هذا أفضل من ذاك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه