-[قصة سعد بن أبي وقاص مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في الوصية بالثلث]-
قلت بثلث مالي؟ قال الثلث والثلث كثير (١)، إنك يا سعد أن تدع (٢) ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة (٣) يتكففون الناس، إنك يا سعد لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه الله تعالى (٤) إلا أجرت عليها، حتى اللقمة (٥) تجعلها في امرأتك، قال قلت يا رسول الله أخلف (٦) بعد أصحابي؟ قال إنك لن تخلف (٧) فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله تعالى إلا أزددت به درجة ورفعه، ولعلك تخلف حتى ينفع الله بك أقوامًا ويضر بك آخرين (٨)، اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابي (٩) لكن البائس سعد بن خولة (١٠) رثي له رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
سعدًا اللهم أشف سعدًا اللهم أشف سعدًا، قال يا رسول الله إن لي مالاً كثيرًا وليس لي وارث إلا أبنه فأوصي بمالي كله؟ قال لا، قال فأوصى بثليه؟ قال لا، قال أفأوصى بنصفه؟ قال لا، قال أفأوصى بالثلث؟ قال الثلث والثلث كثير (وللإمام أحمد أيضًا) في رواية أخرى من حديث عائشة بنت سعد قالت قال سعد فوضع يده (يعني النبي (صلى الله عليه وسلم)) على جبهتي فمسح وجهي وصدري وبطني وقال اللهم أشف سعدًا وأتم له هجرته فما زلت يخيل إلى بأني أجد برد يده على كبدي حتى الساعة فيستفاد من رواية أولاد سعد أن سعدًا طلب أولاً أن يوصي بماله كله وأنه خشي أن يموت بمكة وطلب من النبي (صلى الله عليه وسلم) الدعاء له بالشفاء، ومن رواية بنت سعد أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، دعا له بالشفاء ومسح على وجهه وصدره وبطنه (١) معناه يكفيك الثلث والثلث كاف أي كثير غير قليل، قال الشافعي رحمه الله هذا أولى معانيه (٢) بفتح الهمزة وكسرها فالفتح على التعليل ومحل أن تدع مرفوع على الابتداء أي تركك أولادك أغنياء والجملة بأسرها خبر أن، والكسر على الشرطية وجزاء الشرط قوله (خير) على تقدير فهو خير وحذف الفاء من الجزاء سائغ شائع غير مختص بالضرورة كما قال ابن مالك (٣) بتخفيف اللام أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم باكفهم بأن يبسطوها للسؤال أو يسألون ما يكف عنهم الجوع (٤) جاء في رواية أولاد سعد عن سعد عند الإمام أحمد أيضًا (إن نفقتك من مالك لك صدقة وإن نفقتك على عيالك لك صدقة، وإن نفقتك على أهلك لك صدقة (٥) بالجر على أن حتى جارّة وبالرفع لأبي ذر على كونها ابتدائية والخبر (تجعلها) ولفظ البخاري (ترفعها) قال الحافظ وبالنصب عطفًا على نفقة (قوله في امرأتك) أي في فم امرأتك (٦) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام مفتوحة قال القاضي عياض معناه أخلف بمكة بعد أصحابي قاله إما إشفاقًا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه عليها أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه إلى المدينة (٧) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد اللام مفتوحة المراد به طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه، وفي هذا الحديث فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال (٨) قال النووي وهذا الحديث من المعجزات فإن سعدًا رضي الله عنه عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينه ودنياهم وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم وديارهم (٩) معناه أتممها ولا تبطلها ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية (١٠) جاء في رواية أخرى للإمام أحمد من حديث عامر بن سعد عن أبيه أيضًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال (يرحم الله سعد بن عفراء)