ثم يأتي بعد ذلك قوم تسبق شهاداتهم إيمانهم وإيمانهم شهاداتهم (١)(باب التغليظ في شهادة الزور (٢)(عن أبي هريرة)(٣) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول من شهد على مسلم شهادة ليس لها بأهل (٤) فليتبوأ مقعدة من النار (٥)(حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم)(٦) ثنا الجريري ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبية قال ذكر الكبائر عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال الإشراك بالله تبارك وتعالى (٧)، وحقوق الوالدين (٨)، وكان متكئًا فجلس (٩) فقال وشهادة الزور وشهادة الزور (١٠) أو قول الزور فما زال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يكررها حتى قلنا
(سئل رسول الله (صى الله عليه وسلم) أي الناس خير؟ قال قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ولم يشك في هذه الرواية وحديث عائشة عند مسلم والإمام أحمد وسيأتي في باب فضل القرن الأول والثاني والثالث من كتاب الفضائل قالت (سأل رجل النبي (صلى الله عليه وسلم) أي الناس خير؟ قال القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث (١) معناه أنه يجمع بين الشهادة واليمين فنارة تسبق هذه وتارة هذه، وهذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته واحتج به بعض لدلكيه في رد شهادة من حلف معها، وجمهور العلماء أنها لا ترد (تخريجه) (ق. وغيرهما) وفي الباب عند الإمام أحمد أحاديث أخرى عن بريدة والنعمان بن بشير وعمران بن حصين ستأتي في باب فضلا القرن الأول المشار إليه آنفًا (باب) (٢) الزور الباطل والكذب وسمي زورًا لأنه أميل عن الحق، ومنه (تزاور عن كهفهم) ومدينة زوراء أي مائلة، وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور (٣) (سنده) حدّثنا يزيد أنا جبير أبن يزيد العبدي عن خراش بن عياش قال كنت في حلقه بالكوفة فإذا رجل يحدث قال كنا جلوسًا مع أبي هريرة فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الخ (غريبة) (٤) أي ليس له علم بها أو علمها ولم يأت بها على وجهها بأن يدل فيها وغير ابتغاء نفع دنيوي أو انتقام من عدو (٥) أي فليتخذ له معتزلاً من النار، يقال بوأه الله منزلاً أي أسكنه إياه وتبوأت منزلاً أي اتخذته والمباءة المنزل (تخريجه) أخرجه أبو داود الطيالسي، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد، وتابعيّة لم يسم وبقية رجاله ثقات أهـ (قلت) ومعنى قوله وتابعيه لم يسم، أن الذي روى الحديث عن أبى هريرة مبهم لم يذكر اسمه وهو كذلك عند أبى داود الطيالسي (غريبة) (٦) يعني ابن مقسم الأسدي القرشي قال أحمد إليه المنتهي في التثبت (والجريري) بضم الجيم ومهملين أسمه سعيد بن إياس قال ابن معين ثقة (٧) أي مطلق الكفر، وإنما خص الشرك بالذكر لغلبته في الوجود ولاسيما في بلاد العرب فذكره تنبيهًا على غيره (٨) سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب الترهيب من عقوق الوالدين من كتاب الكبائر في قسم الترهيب (٩) قال الحافظ يشعر بأنه أهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئًا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعًا على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبوعته قلب المسلم، والعقوق بصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعًا بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبًا (١٠) كرر قوله وشهادة الزور لتأكيد تحريمها وللاهتمام بشأنها لما فيها من المفاسد كما تقدم (وقوله أو قول الزور)