(باب ما جاء في ترتيل القراءة وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم)(عن مسلم بن مخراق عن عائشة)(١) قال ذكر لها أن ناسا يقرؤن القرآن في الليلة مرة أو مرتين فقالت أولئك قرؤا ولم يقرؤا (٢) كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام (٣)(وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليلة التمام) فكان يقرء سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ولا يمر
هذا التركيب (زينوا القرآن بأصواتكم) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن وهذا مشاهد وقد روى الدارمي عن البراء بن عازب أيضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) ولما رأى بعضهم أن القرآن أعظم وأجل من أن يحسن بالصوت بل الصوت أحق أن يحسن بالقرآن قال معناه زينوا أصواتكم بالقرآن (قال الخطابي) هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا عرضت الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقة وكقولهم إذا طلعت الشعري واستولى العود على الحرباء أي استوى الحرباء على العود ثم روى باسناده عن شعبة قال نهاني أيوب أن أحدث (زينوا القرآن بأصواتكم) قال ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح أخبرناه محمد بن هاشم حدثنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن عن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زينوا أصواتكم بالقرآن والمعنى اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا به واتخذوه شعارة وزينة اهـ (تخريجه) (د نس جه) وسكت عنه أبو داود والمنذري فهو صالح للاحتجاج به (قال النووي) قال القاضي اجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التخزين والتشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه (قلت) قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام مالا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم اهـ (قلت) والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود باسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن تراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وان خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها مالم يخرج عن شرط الاداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب من راعي الأنغام أن لا يراعي الأداء فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم (باب) (١) (سنده) حدثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن زياد بن نعيم عن مسلم بن مخراق عن عائشة الخ (غريبه) (٢) معناه أنهم قرءوا القرآن بلسانهم ولم تفقهه قلوبهم ولم تتأثر بما فيه (٣) قال في النهاية هي ليلة أربع عشرة من الشهر لأن