-[تفسير قوله تعالى (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم - إلى قوله- ثيبات وأبكارًا)]-
.....
= ولا كبيرة (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة، وعن مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية، وعن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين (والله مولاكم) سيدكم ومتولى أموركم وناصركم (وهو العليم) بما يصلحكم فيشرعه لكم (الحكيم) فيما أحل وحرم (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) يعني حفصة بنت عمر (حديثًا) قال البغوي هو تحريم فتاته (يعني مارية) على نفسه وقوله لحفصة لا تخبري بذلك أحدًا، وقال سعيد بن جبير أسر أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة: قال الكليى أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي (فلما نبأت به) أفشته إلى عائشة (وأظهره الله عليه) اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عليه السلام (عرّف بعضه) قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي عرف بتخفيف الراء أي عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره أي غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن أساء إليه لأعرفن لك ما فعلت أي لأجازينك عليه وجازاها: قيل طلقها (وقال مقاتل) لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام وقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من جملة نسائك في الجنة فلم يطلقها، وقرأ الآخرون عرف بالتشديد أي عرف حفصة بعد ذلك الحديث أي أخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة (وأعرض عن بعض) يعني ذكر الخلافة: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس (فلما نبأها به) أي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة (قالت) حفصة للنبي صلى الله عليه وسلم (من أنبأك هذا) أي من أخبرك بأني أفشيت السر (قال نبأني العليم) بالسرائر (الخبير) بالضمائر (إن تتوبا إلى الله) أي من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء، يخاطب حفصة وعائشة (فقد صغت قلوبكما) أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة، قال ابن زيد مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته (وإن تظاهرا عليه) بالتخفيف كوني والآخرون بالتشديد وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره (فإن الله هو مولاه) وليه وناصره، وزيادة (هو) إيذان بأن يتولى ذلك بذاته (وجبريل) أيضًا وليه (وصالح المؤمنين) ومن صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحًا، وقيل من بريء من النفاق وقيل الصحابة (والملائكة) على تكاثر عددهم (بعد ذلك) بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين (ظهير) فوج مظاهر له فما يبلغ تظاهر امرأتين على هؤلاء ظهراؤه (عسى ربه إن طلقكن) أي واجب من الله إن طلقكن رسوله (أن يبدله) قرئ أن يبدله بالتشديد والتخفيف والتبديل والإبدال بمعنى كالتنزيل والإنزال (أزواجًا خيرًا منكن مسلمات) خاضعات لله بالطاعة (مؤمنات) مصدقات بتوحيد الله (قانتات) مطيعات، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله (تائبات) من الذنوب أو راجعات إلى أمر رسوله (عابدات) لله (سائحات) مهاجرات أو صائمات، وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكًا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت الإفطار (ثيبات وأبكارًا) إنما وسط العاطف بين الثيبات والإبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات والله أعلم (تخريجه)