للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-[قوله تعالى (كلا إن الإنسان لطغى) وتفسير ذلك]-

لو دنا مني لخطفته الملائكة عُضوًا عضوا قال فأنزل الله لا أدري (١) في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه (إن الإنسان ليطغى (٢) أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى (يعني أبا جهل) ألم يعلم بأن الله يرى، كلا لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه (قال يدعوا قومه) سندع


يقال لقيه ورآه عيانًا أي مشاهدة لم يشك في رؤيته، وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي لأنهما اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته، لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطئ العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له لو فعل ذلك، ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها، وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر: قال الحافظ (١) جاء عند مسلم قال فأنزل الله عز وجل لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه: كلا إن الإنسان ليطغى: وشقط من أصل المسند لفظ (كلا) (٢) (التفسير) (كلا إن الإنسان ليطغى) لفظ كلا ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله، قال مقاتل نزلت في أبي جهل كان إذا أصاب مالًا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه (قلت) طغيانه أنه تجاوز حده واستكبر علىربه، قال النسفي نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة (أن رآه) أن رآ نفسه، يقال في أفعال القلوب رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين (استغنى) هو المفعول الثاني (إن إلى ربك الرجعى) هذه الآية سقطت من الحديث عند الإمام أحمد وهي ثابتة فيه عند مسلم وغيره والمعنى إن إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته. وفيم صرفته. ويجازيك على طغيانك (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى) نزلت في أبي جهل توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت كما في الحديث فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولًا فقال (أرأيت إن كان على الهدى) أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريقة المستقيمة في فعله (أو أمر بالتقوى) بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ولهذا قال (ألم يعلم بأن الله يرى) أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء، وقال الفراء المعنى أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى، وهو على الهدى وآمر بالتقوى والناهي مكذب متول عن الذكر أي فما أعجب هذا، ثم يقول ويله ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى أي يراه ويعلم فعله فهو تقرير وتوبيخ، وقيل كل واحد من أرأيت بدل من الأول (وألم يعلم بأن الله يرى) الخبر (كلا) لا يعلم ذلك (لئن لم ينته) عن إيذاء محمد وتكذيبه (لنسفعًا بالناصية) لنأخذن بناصيته فلتجرنه إلى النار كما قال: فيؤخذ بالنواصي والأقدام: يقال سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبًا شديدًا: والناصية شعر مقدم الرأس واكتفى بلام العهد عن الإضافة للعلم بأنها ناصية المذكور (ناصية كاذبة خاطئة) أي صاحبة كاذب خاطئ، قال ابن عباس لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل تنتهرني فوالله لأملأن عليك هذا الرادي إن شئت خيلًا جردًا ورجالًا لا مردًا، قال الله عز وجل (فليدع ناديه) أي أهل مجلسه وقومه

<<  <  ج: ص:  >  >>